مجموعة من قصص القصيرة للكاتب كروساوا إوري #1

 

#1

إرادة رضيع


    وُلد رضيعٌ في أحد الأسر.
كل ما يفعله في البداية هو أن يشرب اللبن أو ينام، ولكن في وقت وجيز تطول فترة استيقاظه وتكثر نظراته الفضولية لكل ما يحيط به.
    قالت أمه وهي تراه أجمل رضيع في الدنيا "علامَ ينظر يا ترى؟"
    قال أبوه الذي كان أسعد من أي شخص آخر بميلاده "ألا ينظر إلى والده؟ إنه بالطبع يحب والده الذي يرفعه لأعلى ويدللـه كثيرًا.
    ثم قالت فتاة تملأها الثقة "كلا، بل إنه ينظر إليّ. فأنا أخته الكبرى وأغني له الأغنيات."
    وهذه المرة قال فتى "وأنا ألعب معه! فنحن الاثنين نقوم بتمثيلية الوَحش، والتي بالتأكيد يحبها أكثر بكثير من الأغاني."
    "لا، إنه أنا"
    "بل أنا"
    قالت الأم بوجه لطيف "اهدئا أنتما الاثنان" ثم احتضنت الرضيع ورفعته.
    "انظروا، إنه يقول إنه يحبنا جميعًا."
    حرك الرضيع شفتيه وأجاب: "بوو، بوو"
    قالت الأم وهي تضحك "رأيتم؟ هكذا يقول." فضحك الجميع "إنك محقة."

    ولكن في الحقيقة، كانت في نية الرضيع شيء آخر.
    فما يراقبه الرضيع منذ وقت قريب هو هذا العالم الذي وُلد وسقط به.
    بما إنه وُلد، يجب أن يصبح المركز الأول في هذا العالم، فبرغم كونه رضيعًا كان يحمل هذه الإرادة العظيمة.
    لكن، يبدو أن هذا العالم به الكثير من البشر، فكيف بحق السماء أصبح المركز الأول بين كل هؤلاء! هكذا كان يفكر الرضيع.
    يبدو أنني لا أستطيع أن أحقق المركز الأول في الوقت الحالي، ففي هذا البيت أربعة أشخاص، ومن بينهم تلك المرأة التي تعطيني الحليب، لا أعتقد أنني أستطيع تخطي مكانتها.
    لكن... جاءته فكرة مفاجئة. هذا الشخص الذي يرفعني عاليًا عاليًا، فهو الآخر يقوم برعايتي بعض الشيء، وعندما يحملني يتغير المشهد الذي أمامي ويصبح أكثر متعة! هو أيضًا لا أستطيع تخطي مكانته.

    استغرق الرضيع في التفكير.

    في هذه الحالة، ماذا عن تلك البشرية التي تغني لي الأغاني؟ تلك الأغاني تريحني وأنام عندما أسمعها. لكن هذا الشخص المزعج الآخر أيضًا، يعطيني لمسة وحوش مخيفة تقشعر الأبدان! لا يمكنني تفضيل شخصًا على الآخر! هما كذلك لا يمكنني تخطي مستواهما!

    همم. فكر الرضيع لبرهة من الوقت --- ثم تثائب فاتحًا فاه آخذَا نفس عميق.

    على ما يبدو أنني لن أستطيع تخطي مكانة هؤلاء الأربعة مهما فعلت، مما يعني سأحتل مرتبة أسفلهم في المركز الخامس، أن أصبح المركز الخامس في هذا العالم ليس بالأمر السيء كذلك، وبينما يسرح الرضيع في الأفكار غلبه النعاس ونام.

=======

#2
شخص جيد



    "إن إيكاوا-سان شخص جيد بشكل غير متوقع، فتلك المرأة تزوجت في سن صغيرة وأنجبت ذرية. كنت أفكر هل أنا سيئة ياترى؟"
    "ماذا؟ هل حدث شيئًا ما؟"
    "لا، ليس على وجه الخصوص، لكن عندما تحدثت معها بشأن أنني سأكون عازبة طيلة حياتي ولا أريد أطفالًا ولكن أعين الناس...، قالت لي بكل عفوية ’وما المشكلة؟ لا تهتمي لما يظنه بكِ الآخرون’ فاستعجبت وقلت لذاتي ‘هااه، هكذا تفكرين إذن؟’ "


    "همم، إنك محقة، إنها شخص جيد؟"


    "ألم أقل لكِ؟ جعلتك تعيدين النظر."


    .... مما نفهمه من هذه المحادثة، في معظم الحالات يكون الـ "الشخص الجيد" في الحقيقة اختصارًا لـ "شخص يقول ما هو جيد بالنسبة لي"

=======

#3
فتاة المطر


    "إنه يوم الغد أخيرًا..."

    أومأت أمي رأسها بثقل وردت على تمتمتي "أجل، إنه الغد..."

ثم أخذت نفس عميق لتهدئ قلبها.

 

    غدًا -الأحد الموافق 23 أكتوبر- حفل زفافي أنا وحيدة أمي وأبي، حدث ضج لا يحدث إلا مرة في العمر. انتقيت فستاني من بين أفضل أفضل الفساتين وحجزت المكان الذي سيقام به الحفل منذ عام. كتبت بخط يدي رسائل دعوة واحدة واحدة، وحضرت أشهى الوجبات وكذلك الهدايا من أشهر بائع حلوى.

 

    فعلت كل ما بوسعي، وقمت بكل التجهيزات، الباقي هو شيء لا دخل لي به؛ وهو أن يكون الطقس جيد.... أجل، أتمنى فقط أن يكون الطقس جيد هذا اليوم.

 

    لكن كان هناك ما يقلقنا، وهو...


    "ستأتي شيوري-سان، صحيح؟ ..."

    "بلى، فقد أرسلنا لها دعوة، وردت بأنها ستحضر بالتأكيد."

    "فهمت..."

 

    المشكلة هي ابنة أخت أمي... ابنة خالتي شيوري.

 

    إنها فتاة مطر!

 

    سواء إن كنا في يوم ممارسة الرياضة أو مهرجان ثقافي أو حفل موسيقي أو رحلة او مراسم جنازة أو دفن... بشكل عام أي مناسبة تشارك بها تتسبب في هطول المطر، فهي بهذه القوة، فتاة كهذه بكل تأكيد ستهطل مطرًا في مناسبة كحفل زفاف. كان هذا ما يقلقنا ويخيفنا.

    "كما أننا لا يصح ألّا ندعوها."

    "إنك محقة، ليس كأنه ذنبها بعد كل شيء..."

    "أجل..."

 

    شعرت أمي بالضيق كأنها سبب المشكل فأخذت أحاول إبهاجها،

"لكن لا تنسي! ستأتي سناي-تشان من الناحية الأخرى!"

 

    سناي-تشان قريبة هياتو-كن الذي سأتزوجه... فهي بنت عمه.

 

    سناي-تشان، فتاة سماء صافية فريدة من نوعها.

 

    أيام ممارسة الرياضة أمر أكيد، وكذلك المهرجانات الثقافية أو الحفلات الموسيقية أو الرحلات او مراسم الجنازات أو الدفن... بشكل عام أي مناسبة تشارك تجعل الطقس جيد والسماء صافية، فهي بهذه القوة.

 

    "لعل هذا صحيحًا، ... لكن هل ستتغلب على قوة شيوري-تشان؟ فتلك الفتاة جلبت الأمطار إلى مبنى الامتحانات الجامعي! وفي ذلك الوقت إن نزل شيئًا من السماء سيكون ثلجًا! فتلك الفتاة قوية لهذه الدرجة!"

 

    "لـ، لكن... سناي-تشان على العكس تمامًا، سبق لها أن أنهيت إعصارًا أثناء رحلة! لمرتين! لذا حتى إن لم تفوز قوتها أمام شيوري-تشان، على الأقل سيلغيان مفعول بعضهما..."

 

    تنهدت بينما أتكلم، وأمي كذلك تنهدت في نفس الوقت.

 

    أتمنى أن يكون طقس الغد مشمسًا... لن أقول شيئًا كبيرًا كهذا.

    أتمنى على الأقل ألا تكثر الغيوم في السماء.. هذا أقصى ما تستطيع فعله فتاة عادية ليست بفتاة مطر أو سماء صافية مثلي.

 

=======

#4
الدولة المجاورة


    صرخ رجل محب للسلام ذات مرة "رغم أنكم الدولة المجاورة لنا، لمَ علاقتنا سيئة لهذه الدرجة؟"

    "العلاقة الطيبة هي جوهر الجيرة، أليس كذلك؟ إن تصالحت الدول المجاورة لبعضها، سنتبادل المنافع ويصب الأمر في مصالح كلانا!"

    "يا رباه، ما الذي تتفوه به؟" هكذا رد سياسي هذه المرة.

    "بسبب أن علاقتنا سيئة بالتحديد أصبحنا دولتين مختلفتين!"


 =======


#5

رجل الشاطئ


    كان هناك رجل ينعته الجميع بالـ"الغبي"

    لا يدرس ولا يعمل لأنه يقضي يومه كله متجولا على الشاطئ.

    ولكن ذات مرة ألفتت تصرفات هذا الرجل شخصًا ما.

    "العباقرة دائما غريبي الأطوار، بالتأكيد أن سيره طوال اليوم على الشاطئ له مغزى لا محالة"، فاقترب من الرجل وسأله "كل يوم تتجول عند الشاطئ، هل هناك شيء تبحث عنه؟"

    فأجابه الرجل في قلقٍ "لمَ تسأل؟" ثم التفت حوله وفصح عمّا في قلبه بصوت خافت "ليكن الأمر سرًا بيننا، فهمت؟"

    رد الشخص السائل بالإيجاب مشيرًا بحركة رأسه وممتلئًا بالتطلعات "أجل"

    قال الرجل بصوت هامس "في الحقيقة، انا أبحث عن السلحفاة المائية الواقعة ضحية تنمر، فإن وجدتها وأنقذتها، سأتمكن من الذهاب إلى قلعة التنين في أعماق البحار، هل تعلم؟ إن ذهبت هناك، فستستمتع بحياتك دون الحاجة إلى القلق بشأن الطعام والملبس والمأو..."


"فهمت"


قالها السائل مقاطعًا حديثه ومضى

وفي النهاية توصل إلى نفس الاستنتاج؛ إنه مجرد غبي.


* في هذه القصة إسقاط على قصة الأطفال الشعبية الشهيرة "أوراشيما تارو" وفي حالة إن كنت لا تعرفها فها هي أحداث القصة:

    في أحد الأيام شاهد أحد الصيادين ويدعى أوراشيما تارو- سلحفاة صغيرة كادت أن تغرق بفعل بعض الأطفال. استطاع تارو إنقاذ السلحفاة وأعادها للمياه. وفي اليوم التالي همست سلحفاة كبيرة لتارو وقالت له أن السلحفاة الصغيرة التي أنقذها أمس هي ابنة إمبراطور البحر وأنه يريد مقابلته ليشكره. أخذت السلحفاة الكبيرة تارو بعد أن أعطته خياشيم إلى قاع البحر للمقابلة. وصل تارو إلى قصر التنين وقابل الإمبراطور والسلحفاة الصغيرة التي أنقذها.

    قضى تارو بضعة أيام ثم أراد العودة لقريته لرؤية أمه فاستأذن من السلحفاة الصغيرة. قالت له السلحفاة أنها تتمنى أن يقضي معهم وقت أطول ومع ذلك فهي تتمنى له حياة سعيدة. أعطت السلحفاة الصغيرة لتارو صندوق عجيب وطلبت منه ألا يفتحه أبدا مهما كان السبب وأن يحتفظ به. ركب تارو على ظهر السلحفاة التي أحضرته إلى قاع البحر وعاد إلى القرية.

    ولكن عند عودته للقرية فوجئ بكل شيء قد تغير. فقد اختفى أصحابه وأمه وبيته وكل من عرفهم. لم يتعرف على الأناس أهل القرية. سألهم إذا كانوا يعرفوا شخص يدعى أوراشيما تارو فأخبروه أنهم سمعوا عن هذا الشخص وأنه قد أختفى في البحر منذ زمن بعيد. اكتشف تارو أنه مضى 300 سنه منذ أن ترك القرية ونزل إلى البحر.

    جلس تارو لا يفهم ماذا يحدث. قرر فتح الصندوق. وعندما فتحه رأى دخان أبيض كثيف يخرج من الصندوق وفجأه انحنى ظهره وتقدم في العمر سنين ونبتت لحيته البيضاء وأصبحت طويلة. وجاءه صوت السلحفاة الصغيرة الحزين من البحر تقول له "ألم أخبرك ألا تفتح الصندوق؟! إنه عمرك الطويل..."


Comments